موضوع: حكم التوسل فى الاسلام الأحد مارس 11, 2012 6:31 pm
التوسل محمد بن صالح العثيمين
(374) سئل فضيلة الشيخ –جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيرالجزاء-:عن حكم التوسل؟ فأجاب بقوله
: هذا سؤال مهم، فنحب أن نبسط الجواب فيه؛ فأقول : التوسل : مصدر توسل يتوسل : ، أي اتخذ وسيلة توصله إلى مقصوده ؛ فأصله طلب الوصول إلى الغاية المقصودة .
وينقسم التوسل إلى قسمين : القسم الأول: قسم صحيح ، وهو التوسل بالوسيلة الصحيحة الموصلة إلى المطلوب؛ وهو على أنواع نذكر منها: النوع الأول : التوسل بأسماء الله – تعالى –؛ وذلك على وجهين : الوجه الأول: أن يكون ذلك على سبيل العموم؛ ومثاله ما جاء في حديث عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه – في دعاء الهم والغم قال : "اللهم إني عبدك ، ابن عبدك ، ابن أمتك ، ناصيتي بيدك ، ماض فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك ، أسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك ، أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحداً من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي…"الخ؛ فهنا توسل بأسماء الله – تعالى – على سبيل العموم "أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك ". الوجه الثاني: أن يكون ذلك على سبيل الخصوص بأن يتوسل الإنسان باسم خاص لحاجة خاصة تناسب هذا الاسم ، مثل ما جاء في حديث أبي بكر – رضي الله عنه – حيث طلب من النبي - صلى الله عليه وسلم - دعاءً يدعو به في صلاته، فقال : "قل : اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ، ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك ، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم" فطلب المغفرة والرحمة وتوسل إلى الله –تعالى – باسمين من أسمائه مناسبين للمطلوب وهما "الغفور" و "الرحيم" . وهذا النوع من التوسل داخل في قوله – تعالى-: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها((1) فإن الدعاء هنا يشمل دعاء المسألة ، ودعاء العبادة .
النوع الثاني: التوسل إلى الله –تعالى – بصفاته ، وهو أيضاً كالتوسل بأسمائه على وجهين: الوجه الأول : أن يكون عاماً كأن تقول : "اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا" ثم تذكر مطلوبك . الوجه الثاني: أن يكون خاصاً ، كأن تتوسل إلى الله – تعالى - بصفة معينة خاصة لمطلوب خاص ، مثل ما جاء في الحديث "اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي ، وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي " فهنا توسل لله – تعالى – بصفة "العلم" و"القدرة" وهما مناسبتان للمطلوب. ومن ذلك أن يتوسل بصفة فعلية مثل: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم.
النوع الثالث: أن يتوسل الإنسان إلى الله- عز وجل- بالإيمان به، وبرسوله - صلى الله عليه وسلم- فيقول:"اللهم إني آمنت بك ، وبرسولك فاغفر لي أو وفقني" ، أو يقول: "اللهم بإيماني بك وبرسولك أسألك كذا وكذا"،ومنه قوله–تعالى إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب.الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ((1) إلى قوله : (ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار((2) فتوسلوا إلى الله – تعالى – بالإيمان به أن يغفر لهم الذنوب، ويكفر عنهم السيئات، ويتوفاهم مع الأبرار.
النوع الرابع : أن يتوسل إلى الله – سبحانه وتعالى – بالعمل الصالح ؛ ومنه قصة النفر الثلاثة الذين أووا إلى غار ليبيتوا فيه، فانطبق عليهم الغار بصخرة لا يستطيعون زحزحتها ، فتوسل كل منهم إلى الله بعمل صالح فعله ؛ فأحدهم توسل إلى الله – تعالى – ببره بوالديه؛ والثاني بعفته التامة ؛ والثالث بوفائه لأجيره ، قال كل منهم "اللهم إن كنت فعلت ذلك من أجلك فافرج عنا ما نحن فيه" فانفرجت الصخرة، فهذا توسل إلى الله بالعمل الصالح.
النوع الخامس : أن يتوسل إلى الله –تعالى- بذكر حاله يعني أن الداعي يتوسل إلى الله تعالى بذكر حاله وما هو عليه من الحاجة ، ومنه قول موسى - صلى الله عليه وسلم -: (رب إني لما أنزلت إليّ من خير فقير( (3)يتوسل إلى الله – تعالى – بذكر حاله أن ينزل إليه الخير . ويقرب من ذلك قول زكريا - عليه الصلاة والسلام -: (رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيباً ولم أكن بدعائك ربِ شقياً( (1) فهذه أنواع من التوسل كلها جائزة؛ لأنها أسباب صالحة لحصول المقصود بالتوسل بها.
النوع السادس: التوسل إلى الله – عز وجل- بدعاء الرجل الصالح الذي ترجى إجابته ، فإن الصحابة – رضي الله عنهم – كانوا يسألون النبي - صلى الله عليه وسلم – أن يدعو الله عز وجل لهم بدعاءٍ عام، ودعاءٍ خاص؛ ففي الصحيحين من حديث أنس بن مالك – رضي الله عنه – أن رجلاً دخل يوم الجمعة والنبي – صلى الله عليه وسلم – يخطب فقال : يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا ، فرفع النبي – صلى الله عليه وسلم – يديه وقال: "اللهم أغثنا" ثلاث مرات، فما نزل من منبره إلا والمطر يتحادر من لحيته ، وبقي المطر أسبوعاً كاملاً . وفي الجمعة الأخرى جاء ذلك الرجل أو غيره والنبي – صلى الله عليه وسلم – يخطب فقال : يا رسول الله ، غرق المال ، وتهدم البناء فادع الله أن يمسكها عنا ، فرفع النبي – صلى الله عليه وسلم – يديه وقال: "اللهم حوالينا ولا علينا" فما يشير إلى ناحية من السماء إلا انفرجت ، حتى خرج الناس يمشون في الشمس؛ وهناك عدة وقائع سأل الصحابة النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يدعو لهم على وجه الخصوص ومن ذلك أن النبي-صلى الله عليه وسلم – ذكر أن في أمته سبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب وهم الذين لا يسترقون ، ولا يكتوون ، ولا يتطيرون ، وعلى ربهم يتوكلون ، فقام عكاشة بن محصن وقال : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فقال: "أنت منهم" فهذا أيضاً من التوسل الجائز وهو أن يطلب الإنسان من شخص ترجى إجابته أن يدعو الله – تعالى – له؛ إلا أن الذي ينبغي: أن يكون السائل يريد بذلك نفع نفسه ، ونفع أخيه الذي طلب منه الدعاء ، حتى لا يتمحض السؤال لنفسه خاصة ؛ لأنك إذا أردت نفع أخيك ونفع نفسك صار في هذا إحسان إليه؛ فإن الإنسان إذا دعا لأخيه في ظهر الغيب قال الملك : "آمين ولك بمثل" وهو كذلك يكون من المحسنين بهذا الدعاء والله يحب المحسنين.